متى تنتقل فرنسا من زمن الكلام الى الأفعال في تعاملها مع الكثير من المسؤولين اللبنانيين؟
مُبكر جداً القول إن أوروبا انتهت، أو محاولة العمل وفق تلك القاعدة، وذلك مهما بَدَت الولايات المتحدة الأميركية مُسَيْطِرَة على كل شيء.
الاحتلال السوري
فبعودة بسيطة في الزمن الى الوراء، وتحديداً الى أزمنة غير بعيدة كثيراً، نجد مثلاً أن الاحتلال السوري للبنان بين عامَي 1990 و2005 تحديداً، ما كان ليحصل باتفاقات أميركية - سورية فقط، ولا حتى إسرائيلية - سورية، بل احتاج الى تفويض دولي لدمشق شكّلت أوروبا، وفرنسا تحديداً، عنصراً أساسياً فيه.
وعندما دقّت ساعة خروج الجيش السوري من لبنان أيضاً، في عام 2004، والذي بدأ مسار تنفيذه منذ ذلك العام، الى أن اكتمل في ربيع عام 2005، حصل ذلك بمجهود فرنسي تحديداً، أيضاً.
زخم فرنسي
فرغم أن الولايات المتحدة الأميركية كانت مُمتَعِضَة من سوريا - الأسد منذ عام 2003، بعدما اصطفّ (الرئيس السوري آنذاك) بشار الأسد ضدّ واشنطن في الحرب على العراق، وساهم (بشار الأسد) بالاضطرابات الأمنية التي شهدتها الأراضي العراقية في المرحلة التي أعقبت إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، (رغم كل ذلك)، إلا أن ولادة فكرة إخراج الجيش السوري من لبنان في عام 2004 لم تَكُن أميركية، بقدر ما كانت فرنسية، فيما كان الزّخم الديبلوماسي الدولي الأساسي ضمن هذا الإطار، لتنفيذه من دون حروب، ولإقناع روسيا والصين بعَدَم مُعارَضَة إخراج دمشق من لبنان، كان زخماً فرنسياً بنسبة هائلة، وأوروبياً أيضاً، الى جانب الدور والدعم والرعاية الكبيرة من جانب واشنطن طبعاً.
"سين - سين"
وفي السنوات اللاحقة أيضاً، أي في الحقبات التي سبقت وأعقبت حرب تموز 2006، وأحداث 7 أيار 2008... مروراً بالحرب السورية، وصولاً حتى عام 2020، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، كان لفرنسا وأوروبا عموماً، كلمة كبرى في ملفات لبنان والشرق الأوسط، وليس الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
ولكن لا بدّ من التحذير هنا، من وجهَيْن للدور الفرنسي خصوصاً. وجهان يمكن لأحدهما أن يكون ممتازاً للبنان، فيما يمكن للوجه الآخر أن يكون سلبياً للغاية. فعلى سبيل المثال، نجد أن فرنسا التي شكلت رأس حربة بتحرير لبنان من الهيمنة السورية في 2005، كانت هي نفسها التي غطّت الاحتلال السوري، ووفّرت الصّبغة الدولية الشرعية له، منذ ما قبل عام 1990.
كما نجد أن فرنسا التي ساهمت بتهدئة لبنان بعد الاضطرابات التي شهدها في مرحلة ما بعد حرب تموز 2006، وأحداث 7 أيار 2008، هي نفسها التي كانت توفّر البيئة اللازمة لنجاح تسويات "السين - سين"، حتى أكثر من الولايات المتحدة الأميركية نفسها، في مراحل عدة، رغم أن "السين - سين" لم تَكُن مُطابِقَة للسيادة اللبنانية.
خريف 2023
كما أن فرنسا التي نصّبت نفسها راعية لملفات الإصلاح البنيوي في لبنان، ولمكافحة الفساد فيه، وللضغط على المسؤولين اللبنانيين للقيام بالواجب ضمن هذا الإطار. وفرنسا التي أخذت على عاتقها لَمْلَمَة أحوال لبنان بعد انفجار 4 آب 2020، هي نفسها (فرنسا) التي ميّعت كل شيء فيه (لبنان) أيضاً، حتى على مستوى الحقيقة والعدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت. وهي نفسها (فرنسا) التي وعدت الشعب اللبناني بزمن جديد في عام 2020، من خلال زيارات ماكرون اللبنانية، و(هي نفسها) ساهمت بإغراقه (لبنان) وشعبه بمزيد من الأزمات، وصولاً الى حدّ تحلُّل كل شيء، بشكل تُوِّجَ بإقحام لبنان في حرب المنطقة بدءاً من خريف عام 2023، وبجعله يدفع الكثير من الأثمان، حتى الساعة.
الأفعال...
طبعاً، نحن لا نهمّش دور الولايات المتحدة الأميركية، ولا نبالغ في تقدير حجم السياسة الفرنسية، والأوروبية، ضمن الحيّز الدولي.
ولكن تؤكد أوساط واسعة الاطلاع، أنه ليس صحيحاً تماماً ما يُنقَل عن بعض العارفين، على مستوى أن واشنطن لزّمت أو تلزّم باريس أو أوروبا، بهذا الملف أو ذاك، أو بهذا الشأن هنا أو هناك.
ففرنسا لا تزال موجودة، وقوية، وأوروبا مثلها. وما يُعتَقَد أنه تلزيم أميركي لبعض الدول، قد يكون العكس أحياناً، أو لعبة توزيع أدوار لا أكثر، خصوصاً أن السياسة الأميركية أظهرت أكثر من مرة عجزها عن تحقيق أي خطوة في ملفات وأقاليم عدة، وهي احتاجت الى فرنسا أو بريطانيا، أو الى أوروبا عموماً، في بعض الأحيان، لتحقيق بعض أهمّ أهدافها في أقاليم مختلفة.
فمتى يمكن للبنان أن يأكل من عنب الكروم الفرنسية، على قاعدة ثابتة؟ ومتى تنتقل باريس من زمن الكلام الى زمن الأفعال، في تعاملها مع الكثير من المسؤولين اللبنانيين؟؟؟...
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|